في ديسمبر 2023، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تحديد يوم 30 مايو يوما دوليا للبطاطس لزيادة الوعي بالقيم الغذائية والاقتصادية والبيئية والثقافية المتعددة للبطاطس ومساهمتها كمورد غذائي لا يقدر بثمن وكمصدر دخل للمنتجين الريفيين.
وتُعرف دائرة المعارف البريطانية البطاطس بأنها نبات جذري من فصيلة الباذنجانيات واسمها العلمي سولانوم توبيروسوم Solanum tuberosum، وتُزرع لمحتواها النشوي الصالح للأكل وموطنها الأصلي هو جبال الأنديز في بيرو وبوليفيا، وهي واحدة من المحاصيل الغذائية الرئيسية في العالم، وغالبًا ما يتم تقديم البطاطس كاملة أو مهروسة كخضروات مطبوخة ويتم طحنها أيضًا فيما يعرف بدقيق البطاطس الذي يستخدم في الخبز.
وتُعد البطاطس رابع أهم محصول في العالم بعد الأرز والقمح والذرة، والأول بين غير الحبوب. فكيف تمكنت البطاطس أن تقنع العالم، في غضون بضعة قرون فقط، بتبنيها بشكل كامل؟ إن ما جعل البطاطس لا تقاوم هو قيمتها الغذائية التي لا تضاهى، وسهولة زراعتها نسبياً مقارنة ببعض الحبوب الرئيسية، وقدرتها على التنقل بسهولة في الحروب. وعلى الرغم من أن الدول الرائدة في إنتاج البطاطس في العالم اليوم هي الصين والهند وروسيا وأوكرانيا، على التوالي فإن هذه الدول ليست الموطن الأصلي لها.
تاريخ البطاطس
يُعتقد أن البطاطس قد تم تدجينها وزراعتها على نطاق واسع في أمريكا الجنوبية بواسطة شعوب الإنكا منذ 1800 عام مضت. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وفي مقال نشره دييغو أرغويداس أورتيز في بي بي سي في مارس من عام 2020 كتب يقول إن المركز الدولي للبطاطس (سي آي بي)، الواقع في ليما عاصمة بيرو، يشير إلى أن بداية زراعة البطاطس كانت في أعالي جبال الأنديز، بالقرب من بحيرة تيتيكاكا، على بعد حوالي ألف كيلومتر جنوب شرق ليما، ثم انتشرت وأصبحت مصدرًا غذائيًا رئيسيا للمجتمعات الأصلية، بما في ذلك الإنكا، لا سيما باعتبارها مادة غذائية أساسية تسمى تشونيو، وهي منتج من البطاطس المجففة بالتجميد يمكن أن تبقى صالحة للاستهلاك لسنوات أو حتى عقود.
في عام 1532، وضع الغزو الإسباني حدًا لشعب الإنكا، ولكن ليس لزراعة البطاطس. أخذ الغزاة الدرنات (الأجزاء الموجودة تحت الأرض من النبات والتي نسميها البطاطس) عبر المحيط الأطلسي، كما فعلوا مع محاصيل أخرى مثل الطماطم والأفوكادو والذرة، فيما يسميه المؤرخون التبادل الكولومبي العظيم. ولأول مرة في التاريخ، غامرت البطاطس بالخروج من الأمريكيتين. وهكذا، تم إدخال البطاطس إلى أوروبا خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر.
وبحلول نهاية القرن السابع عشر وصلت زراعة البطاطس إلى بريطانيا وأيرلندا. وكان القرويون يقدرون البطاطس لأنها توفر محصولًا غذائيًا لا مثيل له للهكتار الواحد. في أيرلندا على وجه الخصوص، استأجر المزارعون الأراضي التي حرثوها، ومع زيادة اللوردات لرسومهم، اضطروا إلى إنتاج أكبر قدر ممكن من الغذاء في أصغر مساحة ممكنة.
وبالنسبة للمستأجرين الذين لا يملكون أرضا في أيرلندا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان فدان واحد من الأرض المزروعة بالبطاطس وبقرة حلوب واحدة كافيا لإطعام أسرة كبيرة مكونة من ستة إلى ثمانية أفراد وهو أمر لا يمكن لأي حبوب أن تقوم به. وهكذا بدأ افتتان الفلاحين الأيرلنديين والبريطانيين بالبطاطس.
ومن الجزرالبريطانية، انتشرت البطاطس شرقًا عبر حقول الفلاحين في شمال أوروبا، وسرعان ما اكتشف القرويون في السهول الأوروبية التي مزقتها الحرب، بسبب صراعات مثل حرب الخلافة النمساوية وحرب السنوات السبع، ميزة أخرى لزراعة البطاطس حيث كان من الصعب حقًا فرض الضرائب عليها ونهبها، فإذا كان لديك حقل قمح، فهو مرئي بالفعل ويمكن لجامعي الضرائب قياس حجمه بصريًا والعودة في الوقت المناسب للحصاد، لكن البطاطس الموجودة تحت الأرض مخفية جيدًا عن جباة الضرائب وفي زمن الحرب دمر الجنود الغزاة المحاصيل الحقلية وداهموا مخازن الحبوب، ونادرا ما توقفوا لحفر فدان من البطاطس.
وقد لاحظت النخب في ذلك الوقت هذا الأمر، فأمر ملك بروسيا فريدريك الأكبر حكومته بتوزيع تعليمات حول كيفية زراعة البطاطس. وبدأت الدول الأخرى تحذو حذوه، ومع اندلاع الحروب النابليونية في أوائل القرن التاسع عشر، باتت البطاطس تمثل الاحتياطي الغذائي في أوروبا.
وكتب آدم سميث في كتابه ثروة الأمم: “إن الطعام الذي ينتجه حقل البطاطس يفوق بكثير ما ينتجه حقل القمح ولا يمكن لأي طعام أن يقدم دليلاً أكبر على جودته الغذائية، أو على كونه مناسباً بشكل خاص لصحة الجسم البشري”.
وذكرت دراسات أن عدد السكان في أوروبا وآسيا قد انفجر بعد انتشار البطاطس. واستمر جنون البطاطس دون توقف حتى مهدت آفة البطاطس الطريق للمجاعة الكبرى التي حدثت في الفترة 1845-1849 في أيرلندا. وأدى فشل المحصول، الذي تفاقم بسبب الاستجابة غير الكافية من قبل الحكومة البريطانية في لندن (التي قررت عدم تقديم الإغاثة والرهان على قوى السوق)، إلى وفاة مليون شخص، وهجرة مليون آخرين إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ونزوح مليونين آخرين إلى أماكن أخرى، وانخفض عدد سكان أيرلندا إلى النصف في غضون عقود.
فخر وطني
بينما يصر شعب بيرو على أن البطاطس تم تدجينها في بلادهم، فإن وزيرا من تشيلي أكد أن الغالبية العظمى من درنات البطاطس حول العالم تنحدر من بلاده. ولكن المناقشة لا تدور بالضرورة حول درس في التاريخ، بل تدور أيضاً حول الفخر الوطني. وكتب تشارلز كريسمان، الباحث في المركز الدولي للبطاطس، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز عام 2008 يقول : “الجزء السخيف هو أن قصة البطاطس بدأت قبل آلاف السنين من ظهور مفهوم الدول القومية، لكن، نعم، جاءت البطاطس الأولى مما يعرف اليوم ببيرو”.
وأثارت هذه المزاعم غضب شعب بيرو لأنها جاءت خلال السنة الدولية للبطاطس في عام 2008، وهو احتفال اعترفت فيه منظمة الأغذية والزراعة نفسها بأن البطاطس “جاءت من بيرو”. فأنشأت البلاد المركز الدولي للبطاطس في عام 1971 وعملت مع المجتمعات الأصلية في قمم الجبال لحماية التراث الوراثي للبطاطس.
وفي أعالي جبال الأنديز في بيرو، تضم حديقة البطاطس في كوسكو متحفًا حيًا لدرنة البطاطس في بيئتها الطبيعية، وهي تذكير بالمكان الذي جاءت منه البطاطس. وعلى بعد ساعتين بالسيارة شرق كوسكو وعلى ارتفاع 12 ألف قدم في سحاب جبال الأنديز يمكنك تجربة تقاليد الطهي في ذلك البلد من خلال ما يقرب من 5 آلاف نوع من البطاطس. وبعيدا عن بيرو يمكنك تناول الكاري الهندي، أو السمك والبطاطس في حانة بشرق لندن، أو بطاطس مخبوزة طازجة من فرن بإيداهو بالولايات المتحدة.
في مقالة له عام 1957، وصف الفيلسوف والناقد الأدبي الفرنسي رولان بارت رقائق البطاطس بأنها منتج “وطني” و”العلامة الغذائية للفرنسية”.
مستقبل البطاطس
بدأ العلماء في العقود الأولى من القرن العشرين في دمج الجينات من البطاطس السائدة مع البطاطس البرية على أمل الحصول على مقاومتها للأمراض. ومعظم الدرنات المزروعة اليوم هي نتيجة لمثل هذه الاختبارات.
وقد توفر هذه الأنواع البرية أيضًا إجابة لقضية ملحة أخرى وهي تغير درجات الحرارة وظروف الأمطار بسبب أزمة المناخ. وخلصت دراسة حديثة إلى أن ارتفاع الانبعاثات يمكن أن يؤدي إلى انخفاض يصل إلى 26 في المئة من إنتاج الدرنات العالمية بحلول عام 2085. ومن الممكن أن توفر الموارد الجينية من هذه الأنواع سمات مرغوبة، مثل تحمل الصقيع أو الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة.
وتعد البطاطس أيضًا من المحاصيل الصديقة للمناخ، لأنها تنتج مستويات منخفضة من انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بالمحاصيل الأخرى.
ولقد عمل المزارعون في أوروبا والولايات المتحدة، ومؤخراً في آسيا، على تطوير هذه الأنواع. وفي الصين، تعمل الحكومة بقوة على ترويج البطاطس بين سكانها، على أمل أن تصبح محصولاً وطنياً أساسياً جديداً وغذاءً أساسياً. ويتبع قادتها تكتيكات مماثلة لتلك التي كانت تتبع في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث يروجون لها من خلال وسائل الإعلام المملوكة للدولة، والشخصيات الشعبية، والكتب العلمية الشعبية.
ويقول موقع الأمم المتحدة إن البطاطس عنصر مهم في استراتيجيات توفير أغذية مغذية يمكن الوصول إليها وتحسين سبل العيش في المناطق الريفية وغيرها من المناطق التي تكون فيها الموارد الطبيعية، وخاصة الأراضي الصالحة للزراعة والمياه، محدودة والمدخلات باهظة الثمن، فتنوع المحصول وقدرته على النمو في مجموعة متنوعة من الظروف يجعله خيارًا مفيدًا للمحصول.
في العقد الماضي، زاد الإنتاج العالمي من البطاطس بنسبة 10 في المئة، مما أدى إلى نمو في فرص العمل والدخل، ولكن لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به لتسخير الإمكانات الكاملة للمحصول في السعي للقضاء على الجوع وسوء التغذية على مستوى العالم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك نطاق واسع من التنوع بين البطاطس، مع أكثر من 5 آلاف صنف محسّن وأصناف/سلالات أصلية للمزارعين، والعديد منها فريد من نوعه لموقعه الأصلي في أمريكا اللاتينية. وتُظهر الأقارب البرية للبطاطس المزروعة البالغ عددها 150 تنوعًا وراثيًا واسعًا مع مجموعة من السمات، بما في ذلك القدرة على التكيف مع بيئات الإنتاج المختلفة، ومقاومة الآفات والأمراض، وخصائص الدرنات المختلفة. فهي مستودع للصفات الموروثة للتحسين الوراثي المستمر للمحصول للاستجابة للظروف البيئية المتغيرة باستمرار، والأنماط الحيوية الجديدة للآفات والأمراض وتفضيلات المستهلكين.